رحلة الإسراء والمعراج:
وما أن دخل العام الحادي عشر للبعثة إذ بالحبيب
صلى الله عليه وسلم مع قدرٍ رباني كريم وجد فيه عوضاً وتكريماً وأنساً وسياحة ورعاية
وحفاوة؛ منحه مواساة على ما فات من التضحيات .. وجرعة تحضير وتحفيز لما هو آت من
التحديات .. لقد كان على موعد مع رحلة الإسراء والمعراج.
فقد جاءه ملائكة وشقوا صدره ثم أخرجوا قلبه وغسلوه
بماء زمزم ثم أعادوه .. وكان ذلك (حادثة شق الصدر الثانية) بمثابة إعداد نفسي ومادي
لتلك الرحلة الكبيرة .. حيث جاءه في الليلة نفسها جِبْرِيل عليه السلام ومعه دابة البراق
العجيبة.
50. في الأقصى الشريف:
فحمله عليها وطار به من بيته في مكة إلى بيت المقدس
في مدة قياسية سريعة .. وكان بيت المقدس لا يزال تحت ولاية الروم .. وكان ذلك مؤذنٌ
بفتح قريب له بعون الله تعالى.
الأقصى الحزين .. مسرى الهادي
المين .. الذي فتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وحرره صلاح الدين .. وهو اليوم ينتظر
الفاتحين من أيدي اليهود الغاصبين.
51. مراسم الاستقبال السماوي:
ومن بيت المقدس صُعد بالحبيب صلى
الله عليه وسلم إلى السموات العُلى .. وفِي
كل سماء كانت حفاوة اللقاء بإخوانه وآبائه الأنبياء؛ بدءاً من والده آدم في السماء
الأولى .. إلى والده إبراهيم في السماء السابعة .. مروراً بإخوانه عيسى وهارون ويحيى
وإدريس ويوسف وموسى .. عليهم أجمل الصلوات والتسليم.
وكلهم يلقي تحيته ويستبشر بقدومه وبعثته .. فقد
كان رب العزة قد أخبرهم باقتراب موعد بعثته .. وكلهم بشروا أقوامهم بقدومه.
وقد أحزنه صلى الله عليه وسلم لقاؤه
بموسى عليه السلام الذي بكى لأجل أن قومه خذلوه .. على الرغم من عظيم الجهد الذي بذله
فيهم .. وقد تحدى لأجلهم فرعون اللعين.
52. رقيٌّ لا يضاهى:
ثم أخذ بالصعود والرقي حتى وصل سدرة المنتهى ..
بل وألقى نظرات على الجنة وما فيها من نعيم .. وعلى النار وما فيها من جحيم .. وقد بلغ منزلاً لم يصل إليه مَلك مُقرب ولا نبي مرسل، وهذا من فضل الله عليه
وعلى أمته .. فالله تعالى يخلق ما يشاء ويختار .. ويصطفي
من الملائكة رسلاً ومن الناس.
53. عودة ميمونة وهدايا كريمة:
ثم
بدأ الحبيب صلى الله عليه وسلم رحلة عودته من السموات إلى الأرض، فلما حانت الصلاة،
جمع الله تعالى له الأنبياء ببيت المقدس .. فكان هو أمامهم وإمامهم .. صلى الله عليه
وسلم.
وقد أكرمه الله تعالى بثلاث هدايا
مميزة في تلك الرحلة .. حيث أعطاه خواتيم سورة البقرة، وفرض على أمته الصلوات الخمس،
وقد كانت خمسين صلاة لولا أن أخوه موسى عليه السلام نصحه بمراجعة ربه بقصد التخفيف
مستفيداً من تجربته مع قومه .. حتى وصلت إلى خمس صلوات في عددها؛ خمسين في أجرها
وشرفها .. ووعده الله تعالى أن يغفر حتى لأهل الكبائر من الموحدين من أمته فلا
يخلدون في الجحيم إن طلبوا الهداية وسعوا لها سعيها أو بعد أن ينالوا العقوبة
المقررة عليهم.
انتهت
تلك الرحلة الفخيمة الشريفة اللذيذة .. ورجع بلمح البصر إلى فراشه الدافئ بقدرة القدير
سبحانه .. وقد رأى من آيات ربه الكبرى.
أما رب العزة فما استطاع
الحبيب صلى الله عليه وسلم رؤيته سبحانه لأنه نورٌ أنى يراه.
54. تكذيب وتصديق:
وأخذ صلى الله عليه وسلم يحدث قريشاً وأصحابه عن
تلك الرحلة العجيبة، فكذبه من كذبه .. وقد طلبوا منه وصفاً دقيقاً لبعض طريق بيت المقدس
وبعض ما فيه .. فكشف الله تعالى له الحجاب وقربه له، فصار يصف لهم ما يطلبون بدقة متناهية.
فإذا عجزت عقول القوم عن تصديقه في رحلة الإسراء
وقد نزلت فيه سورة .. فهل سيصدقونه في رحلة المعراج التي كانت من أعظم المعجزات؟!
.. لقد كذبه القوم كعادتهم القبيحة .. وصدقه صاحبه أبو بكر (الصديق) كعادته الطيبة
كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق