وفِي السوق شاءت إرادة الله تعالى أن تتعرف به سيدة شريفة اسمها (خديجة بنت خويلد) .. وكانت صاحبة مال وتجربة، وقد طلبت إليه من خلال غلامها (ميسرة) أن يعمل لها في مالها بمساعدته، وكان يبلغ حينها عشرين عاماً تقريباً.
فكان البيع والشراء والأخذ والعطاء
.. ونزلت البركة، وشهدت خديجة أمانته وصدقه .. وكانت قد تزوجت سابقاً برجل توفي عنها،
ورجل آخر طلقها .. فهي امرأة ذات خبرة اقتصادية واجتماعية ومكانة رفيعة في قومها.
12. زواج ميمون:
وذات يوم جاءته جارية من قِبَل خديجة تعرض أن يكون
زوجاً لخديجة .. فعرض الأمر على عمه (حمزة) الذي طلبها من عمها لتكون زوجة وشريكة حياة
كريمة له .. وكان يبلغ حينها خمسة وعشرين عاماً، في حين كانت خديجة رضي الله عنها
في الأربعين من عمرها.
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
.. تلك الكريمة التي واسته بنفسها ومالها، ورزقه الله تعالى منها الأولاد الذكور،
وإن ماتوا في صغرهم، والبنات وقد عاشوا حتى شهدوا الرسالة، وماتوا على التوحيد والإيمان.
لقد هيَّأ الله تعالى للحبيب صلى
الله عليه وسلم زوجة كريمة أعانته على التفرغ للتدبر، ومنحته من الصفاء الذهني بعيداً
عن الشتات، ليبحث عن حلول لأزمة بل كارثة كانت مكة والعالم كله يتيه فيها .. ألا وهي
أزمة الجفاف الروحي والوثنية السائدة وغياب التوحيد العريق .. صلى الله عليه وسلم.
13. إدارة مبكرة للأزمات:
لقد كتب الله تعالى للحبيب صلى الله عليه وسلم القبول
في قومه قبل أن يُبعث كرسول فيهم .. فكان ذات يوم عند بوابة من بوابات الحرم أوشك على
دخولها إذ سمع أهل مكة يقولون: أتاكم الأمين .. إذ بهم يطلبونه لحلّ نزاع دام
بينهم قرابة أربعة أيام حول ترتيب وضع الحجر الأسود في مكانه، بعد تمام بناء الكعبة،
على إثر انجراف وهدم كثير تعرضتْ له .. وقد شاركهم قبل ذلك في البناء.
فألهمه الله تعالى حسن إدارة تلك الأزمة؛ بأن طلب
منهم أن يضعوا الحجر الأسود على عباءة أو ثوب كبير، وأن تأخذ كل قبيلة بطرَف من الثوب
ويرفعوه، ليقوم هو بحركة سريعة خاطفة بأخذ الحجر بيده الشريفة وإعادته إلى مكانه
.. تلك المشاركة في إدارة أزمة دينية أو سياسية أو عشائرية ساهمت في زيادة رصيده في
نفوس القرشيين .. وكأنها رسالة من الله تعالى لهم؛ بأنه سيكون له دَور طليعي لاحقٌ
في حل أزمتهم، بل وأزمة البشرية كلها .. صلى الله عليه وسلم.
14. تفاعلٌ ومشاركات متنوعة:
هذا المشهد مع مشهد آخر كان قد
شهده مع عمومته وهو ما يسمى بحلف الفضول وقبله حرب الفِجار، جعل له حضوراً في قومه
.. فهو ليس غريباً عليهم، وهم يعرفونه جيداً في رعاية أغنامهم، وبيعهم وشرائهم،
وحل مشكلاتهم، بل وفِي بعض اجتماعاتهم وأحلافهم ومعاهداتهم وبعض حروبهم.
فقد شارك الحبيب صلى الله عليه وسلم ولو من بعيد
بعضَ مشاركة في حرب الفِجار ضد قبائل ارتكبت محظورات في الحرم، وشارك في حلف الفضول
وقد تعاقدت عدة قبائل على نصرة المظلوم، فسعد لذلك وتحمس له كثيراً .. كل ذلك في مرحلة
الشباب الفوَّار، وهو لا يزال دون الثلاثين من عمره .. صلى الله عليه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق