20. مقدمات ما قبل النبوة:
لقد تذكر صلى الله عليه وسلم أن حجراً كان يُسلِّمُ
عليه قبل أن يُبعث .. وتذكر حادثة شقِّ الصدر .. والبركة التي عاينها في بيت حليمة
.. تذكر عصمة الله له من مجرد مساس الأصنام، فضلاً عن الطواف حولها .. وبدأ يسمع عن
ورود اسمه وحكاية بعثته في كتب أصحاب الرسالات السابقة، باعتبار أنهم كلهم بشَّروا
أقوامهم به.
21. وتحولَ الخوف إلى شوق:
استشعر الحبيب صلى الله عليه وسلم أن رحلته ستكون
ممتدة طويلة؛ لأجل ذلك كان التحضير الإلهي لها طويلاً.
بدأت آيات الرسالة تتنزل على قلبه .. والوحي يُلهمه
ويرشده ويكلفه ويوجهه.
صحيح أنه خافه للوهلة الأولى، لكن
انقطاعه عنه فترة قصيرة سُميت بمرحلة فتور الوحي زاد من شوقه له، فكان كلما لقيه طلب
منه أن لا يغيب عنه طويلاً، حتى فهم أنه لا يتنزل إلا بأمر الله الكريم العظيم.
22. مقصد الرسالة:
لقد
وعى صلى الله عليه وسلم حقيقة وقيمة التكليف والرسالة تماماً .. فقد وقع قوله
تعالى: ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﱠ
المدثر: ٣، موقعه من قلبه ووجدانه، فعرف أن تعظيم الله في نفسه وأهله وعشيرته والعالم
كله هو أصل رسالته وعنوان دعوته.
لقد امتنّ الله تعالى عليه وامتنّ به على الناس
.. فأدرك أنه بشرٌ مؤيَّد بالوحي .. معصوم محفوظ محروس .. في الوقت الذي كان يخشى فيه
على نفسه من التقصير أو التفريط في جنب الله تعالى.
لقد كان القرآن العظيم ثروته وزاده وعدته .. فبالقرآن
وجد الإجابة على سؤلات سألها وسُئلها.
لقد منحه الله تعالى بالحكمة التي ألهمه إياها تفويضاً
بشرح وبيان كتابه العظيم، فضلاً عن نقله بأمانة من أمين الوحي جِبْرِيل عليه السلام
إلى العالمين .. صلى الله عليه وسلم.
23. منطلق الرسالة وروحها:
من تلك اللحظة .. بدأ العمل ..
لقد كان التوحيدُ المنطلِقُ من الشهادتين هو عنوان الرسالة الأول:
أشهد أن لا إله إلا الله ..
فلا شرك ولا أصنام ولا وثنية .. وأشهد أن محمداً رسول الله .. فلا زعامة ولا قيادة
ولا إدارة لصلاح البشرية سوى إدارة الحبيب صلى الله عليه وسلم بتفويض من الله مُلهمه
وخالقه.
24. الخير فيمن سبق وصدق:
لم تتردد خديجة الحبيبة رضي الله عنها في سلوك درب
الإيمان .. وآمن معها بناتها الطيبات .. وآمن عليٌّ ابن عمه أبو طالب وكان فتىً يافعاً
.. وقد كان في حجره مكفولاً عنده .. وآمن صاحبه أبو بكر رضي الله عنهم كلهم .. كان
إيمان الأوائل معتمداً على أمرين اثنين:
- ثقتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته التي
لم يعهدوا غيرها في حياته ومنطقه، وهذا من فضل الله تعالى عليه.
-
انسجام ما جاءهم به مع فطرتهم النظيفة، وهذا من فضل الله تعالى عليهم.
ثم بدأت حلقات الإيمان تتسع .. فقد فهم كل مؤمن
دوره في نقل الإيمان لغيره .. وكان يسعد ويبتهج كلما جاءه خبر إسلام فرد جديد، على
يدي صاحبه ورفيق دربه أبو بكر أو غيره من الأصحاب رضي الله عنهم.
فهذا عثمان بن عفان وأبو ذَر الغفاري وسعد بن أبي
وقّاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم وغيرهم كلهم نالوا شرف السبق
في الاسلام.
ومع اتساع حلقات الإيمان كانت تتسع حلقات السور
والآيات التي تتنزل تعليماً وتطميناً له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الكرام.
25. القرآن رفيق الطريق:
لقد كان لكل سورة حكايتها وظروفها .. ولعل الحبيب
صلى الله عليه وسلم عجب لجبريل عليه السلام وهو يطلب منه ترتيب الآيات والسور بطريقة
تختلف عن طريقة نزولها .. لكنه فهمَ أن النزول كان يناسب زمانه .. أما الترتيب النهائي
(المصحفي) فيناسب كل الأزمنة بعده .. كيف لا وهو يعلم أنه لا نبي بعده.
كان القرآن في مكة يحكي قضايا الإيمان ويُركِّز
على إجابة شبهات المشركين، ويرغّب ويرهّب المهتدين .. ويبني سلوكاً متيناً رفيعاً
.. وكم كان يواسيه ويثبت قلبه آياتٍ كشف له ربه فيها بعض حكايات إخوانه الأنبياء
.. صلى الله عليه وسلم.
26. كتمان للإيمان:
بدأت
قريش تشكّ في حركة غريبة تدور في الأفق على الرغم من حرصه الشديد على الإسرار والكتمان
.. حتى لا يستفز عصبية قريش .. ولأنه حريص على السلم المجتمعي الذي يعينه على تبليغ
الرسالة دون إزعاج من قريش .. لدرجة أن الحبيب صلى الله عليه وسلم كان يطلب من المسلمين
الجدد الكتمان حتى عن إخوانهم .. وكان يطلب ممن يسلمون من خارج مكة أن يكتموا إيمانهم
ويرجعوا لأقوامهم إلى حين ظهوره لاحقاً.
27. الأذى المبكر:
بدأت حملات الإيذاء للمهتدين الجدد .. ولكن في حدود
ضيقة .. فالسادة متوكلون بتعذيب العبيد من المهتدين، والآباء متوكلون بتعذيب أبنائهم
.. ولكن قريشاً كانت حريصة على سُوقها وتجارتها؛ لأجل ذلك ما أرادت التصعيد .. بل
قبلت أن يشتري أبو بكر رضي الله عنه عدداً من العبيد المهتدين ليطلق سراحهم ويخلصهم
من إيذاء أسيادهم .. وكان هذا من أحب المواقف على قلبه .. صلى الله عليه وسلم.
فلقد حقق أبو بكر رضي الله عنه
فكرة الإسلام الذي جاء ليحرر العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.